الأحد، 18 أكتوبر 2015

عاد و ثمود


تسمية لقوم أو لأرض تدور حولها الأساطير و الخرافات و لا يجرؤ أحد على اقتحام بواباتها الجهنمية , لكن في عام 1932 قام الانكليزي برترام توماس بأول رحلة موثقة لعبور الصحراء قام خلالها باكتشاف بعض أرجائها و دراسة نباتاتها و المخلوقات الصغيرة التي تعيش فيها , و خلال هذه الرحلة سمع توماس لأول مرة بقصة " عبار " المدينة الضائعة أثناء ضيافته في خيم البدو الساكنين في أطراف الصحراء , و مع أن برترام ذكر هذه القصة في كتابه حول الصحراء إلا أنه على الأرجح لم يأخذها على محمل الجد , لكن هذه القصة أثارت الحماس و الطمع في نفس رجل إنكليزي آخر هو عميل المخابرات البريطانية جون فليبي الذي قام بعدة رحلات استكشافية للبحث عن "عبار" منذ عام 1932 , و لسوء حظ فليبي أو الشيخ عبدالله كما كان يطلق على نفسه فإنه لم يجد أي أثر للمدينة الضائعة لكنه عوضا عن ذلك اكتشف أمرا مهما , فبين الكثبان الرملية شاهد آثار طبقات جيرية بيضاء بدت كما لو أنها ترسبات مسطحات مائية قديمة و اكتشف بقايا عظمية لحيوانات من بينها أسنان لحيوان فرس النهر و هو أمر أثار استغرابه , فماذا تفعل أفراس النهر التي تعيش في المياه و قربها في صحراء الربع الخالي القاحلة ؟ لم يكن لهذا السؤال المحير سوى جواب واحد و هو أن هذه الطبقات الجيرية البيضاء ما هي إلا بقايا لبحيرات مائية كانت موجودة في الصحراء في عصور قديمة , و قد أكد هذا الاستنتاج الكثير من العلماء و الجيولوجيين الذين درسوا المنطقة خلال العقود التالية , كما أن اكتشاف كميات هائلة من النفط وسط الصحراء دعمت هذه الفرضية , فالنفط يتكون من بقايا المواد العضوية المدفونة تحت الأرض و هذا يؤكد غنى صحراء الربع الخالي بالحياة النباتية و الحيوانية في العصور القديمة ..

أحدث النظريات حول تاريخ الربع الخالي تؤكد أن المنطقة مرت بفترتين تميزتا بدرجات حرارة معتدلة و تزايد نسبة هطول الأمطار مما أدى إلى إزدهار الحياة النباتية و الحيوانية, الفترة الأولى استمرت من 37000 الى 17000 ألف سنة و الفترة الثانية استمرت من 10000 الى 5000 سنة, أي أن الجفاف الكبير حدث في حدود عام 3000 قبل الميلاد , و لو صدقت هذه النظرية فإنها ستحل لغزا تاريخيا كبيرا حول هجرة الأقوام منها, فمع بداية الألف الثالث قبل الميلاد حدثت هجرة بشرية كبيرة من الجزيرة العربية تمثلت في الأقوام الأكدية و الأمورية التي توجهت شمالا نحو سوريا و العراق , و السبب الذي دفع إلى هجرة هذه الجموع البشرية الضخمة فجأة و في وقت واحد يكمن بدون شك في الطقس و المناخ الذي تغير بشكل كبير منذ خمسة ألاف سنة, فتحولت الأراضي الخضراء التي كانت أشبه ما تكون بغابات الهند المطرية و التي كانت تغطي أرض الجزيرة العربية الى صحاري قاحلة اضطرت بسببها نسبة كبيرة من السكان الى الهجرة نحو الشمال , و ربما لم يتبقى من حياتهم في شبه الجزيرة العربية سوى ذكريات تداولها العرب على شكل قصص حول القبائل العربية المنقرضة أو ما يعرف بالعرب البائدة , و إحدى أشهر القبائل العربية المنقرضة هي عاد .

و عاد كانت مساكنهم في الجهة الجنوبية من الربع الخالي , أي شمال حضرموت , و قد كانوا في غنى و ثراء فاحش , و هذه ليست أسطورة فالثروة لم تهبط عليهم من السماء و لكن بسبب تحكمهم بتجارة اللبان العربي (العلكة) التي كانوا يصدرونها إلى الشام و مصر عبر طرق تجارية كانت تمر في صحراء الربع الخالي , و كانت لهم عدة مدن كبيرة ربما تكون أشهرها هي "عبار" أو كما يقال لها إرم ذات العماد "ذات الألف عمود" و قد ورد ذكرها في الكتابات التاريخية في اليمن و بعض الكتب القديمة للمؤرخين الإغريق و هو ما يؤكد صحة وجودها , و قد إختفى قوم عاد من على وجه الأرض فجأة في حوالي القرن الرابع قبل الميلاد و إختفت مدنهم المزدهرة معهم و لم يتبقى منهم سوى قصص أسطورية تناقلتها الألسن , لكن ما حدث في ثمانينيات القرن المنصرم جعل هذه الخرافات تتحول الى حقيقة, فقد رصدت الأقمار الصناعية طرق القوافل القديمة التي كانت تمر عبر الربع الخالي باتجاه الشمال , و عندما تتبع العلماء مسير هذا الطريق المؤدي من الجنوب إلى عمان وصلوا إلى واحة صغيرة و بالقرب منها شاهدوا بقايا حصن قديم , في البداية ظنوا أن الحصن حديث البناء يعود إلى عدة قرون خلت , لكن عندما بدؤوا ينقبون في الموقع أخذوا يكتشفون أواني و جرار فخارية إغريقية و رومانية و فرعونية تعود الى آلاف السنين , و بدأت تنتابهم الحيرة , هل اكتشفوا "عبار" المدينة الضائعة ؟ كانت جدران الحصن سميكة و بارتفاع ثلاثة أمتار مع ثمانية أبراج ضخمة للمراقبة , و يبدو أن الحصن أو المدينة الصغيرة لاقت نهاية مأساوية في زمن ما بعد ميلاد المسيح بقرن أو قرنين , لقد خسفت الأرض بها , إذ يبدو أنها بنيت فوق طبقة صخرية كلسية تغطي تحتها كهف مائي ضخم كان السكان و القوافل تستعمل مياهه للشرب , لكن حدث أن جف أو قل منسوب المياه في هذا الخزان المائي الطبيعي مما أدى ألى أن تخسف الأرض بالحصن على حين غرة , و رغم أهمية هذا الاكتشاف إلا أن اغلب العلماء اليوم لا يعتقدون بأن هذا الحصن هو بقايا مدينة "عبار , بل يذهبون إلى أنه كان مجرد استراحة للقوافل أثناء مرورها بالصحراء , و أن أرض شعب عاد كانت تحتوي على العديد من الحصون و المدن , شأنها في ذلك شأن جميع الحضارات العظيمة , و أن أغلب هذه المدن العظيمة لازالت قابعة تحت أطنان من رمال الصحراء ..

و ثمود قبيلة أو مجموعة قبائل من سكان شبه الجزيرة العربية القدماء كانوا يسكنون مدينة تسمى ثمود باليمن , إلا أن مجموعة كبيرة انتشرت شمالاً إلى الحجاز و سيناء و قد عدهم النسابون المسلمون من العرب القدماء .

يذكر ابن خلدون قوم ثمود في كتابه (تاريخ ابن خلدون) و هو يتكلم عن العرب القدماء فيقول : كان لكل فرقة منهم ملوك و آطام و قصور , و يقول فعاد و ثمود و العماليق و أُميم و جاسم و عبيل و جديس و طسم هم العرب ..

أقدم الآثار المكتشفة عن ثمود تعود لنقش لسرجون الآشوري يرجع تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد حيث دارت بينهم و بين الآشورين معارك , كما ورد اسم ثمود في معبد إغريقي بشمال غرب الحجاز بني عام 169م و في مؤلفات أرسطو و بطليموس و بلينيوس ..

و في كتب بيزنطية تعود للقرن الخامس، و أيضا في نقوش أثرية حول مدينة تيماء ، و في قصائد الشعراء كالأعشى و أمية بن أبي الصلت الذين إستشهدوا بعاد و ثمود كمثلين على البأس و القوة ..

و من آلهة عاد و ثمود الآلهة العربية المعروفة , ود إله المحبة , و بعل إله الأمطار ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق