الأحد، 27 سبتمبر 2015

الخناقون "Thuggee"


خليط من الناس و الأديان اندمجوا في منظمة إجرامية لم يعرف لها التاريخ مثيلا ، عدهم البعض طائفة قائمة بحد ذاتها ، أفرادها مجرمون بالفطرة يولدون و يعيشون لهدف واحد .. القتل من دون أية رحمة . أساليبهم و طرقهم في اغتيال الناس شيطانية لا تخطر على بال أدهى الناس ، فهم يتلونون بمائة لون و يبدلون أشكالهم و هيئاتهم باستمرار لكي يتمكنوا من الوصول إلى رقاب ضحاياهم ، إنهم قتلة مجرمون فاقوا بعدد ضحاياهم أي منظمة إرهابية و إجرامية أخرى عرفها التاريخ .. تعال معنا عزيزي القارئ للتعرف على الخناقون "Thuggee" وتأكد بأنك لن تنسى هذا الأسم بسرعة. "Thuggee " هو أسم طائفة من الخناقين الهنود احترفوا قطع الطريق وسلب وقتل المسافرين ، و منهم جاءت كلمة "Thug " في اللغة الانجليزية ، و معناها السفاح . وتضم هذه الطائفة خليطا متنوعا من الأديان والقوميات ، فيهم الهندوسي والسيخي والمسلم، غير أن الهندوس من أتباع الربة كالي (Kali ) يشكلون الغالبية العظمى من أفراد الطائفة ، وهذه الربة هي آلهة الزمن والموت لدى الهندوس ، يصورنها في معابدهم بهيئة امرأة داكنة البشرة ، بارزة الأنياب ، طويلة الشعر ، تطوق رقبتها قلادة كبيرة من الرؤوس البشرية المقطوعة .

▼الربة الهندوسية كالي:
الخناقون يقتلون الناس تقربا إلى معبودتهم كالي ، و يزعمون أنها هي من أمرتهم بفعل ذلك ، فبحسب الأسطورة كان هناك في بداية الزمان وحش عملاق يلتهم الناس بسرعة حتى كاد أن يقضي على البشرية ، وقد خاضت كالي معركة حامية الوطيس مع هذا الوحش العجيب الذي كانت لديه القدرة على إعادة خلق نفسه ، فكل قطرة دم تسقط من جسده كانت تتحول إلى وحش جديد ، وللقضاء عليه خلقت كالي رجلين وأعطتهما خرقة تدعى الرمال ثم أمرتهم أن يقتلا الوحش خنقا كي لا يتمكن من إعادة خلق نفسه ، وقد أنجزا المهمة بنجاح فقتلا الوحش من دون إراقة قطرة دم واحدة ، وكافأتهما كالي على صنيعهما بأن سمحت لهما بالاحتفاظ بالرمال وإمرتهما أن يتوارثاها في ذريتهما ويستعملاها في قتل كل شخص لا ينتمي إلى طائفتهما. بالتأكيد جرائم الخانقين لا تقوم على الدافع الديني فقط ، فسرقة أموال المسافرين ونهب ممتلكاتهم تعد هدفا رئيسيا لتلك الجرائم ، ولهذا السبب ضمت الطائفة أتباعا من غير الهندوس.

وقد نشط الخناقون في الهند منذ منتصف القرن السادس عشر، حاول العديد من الحكام المحليين محاربتهم و القضاء عليهم ، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل بسبب حيطة و حذر الخناقين الشديدة ، والسرية التامة التي يحيطون بها تحركاتهم ، فأغلب جرائمهم لا تكتشف إلا بعد مرور وقت طويل على اقترافها ، وقد لا تكتشف أبدا ، وذلك لبراعة الخناقين في إخفاء معالم الجريمة ، وحتى في حال اكتشافها والقبض على بعض الخناقين ، فمن النادر جدا أن يقر أحدهم بجرمه ، ومن الصعوبة بمكان حمله على الوشاية برفاقه حتى لو سلطوا عليه أقسى وسائل العذاب . وهكذا فقد ظل الخناقين مصدر خوف وقلق دائم للمسافرين لقرون طويلة ، خصوصا أولئك الماضون في رحلات طويلة بين المدن والأقاليم ، فهؤلاء كانوا صيد الطائفة المفضل. الخناقون كانوا يخططون لجرائمهم بدقة كبيرة ، خطوتهم الأولى كانت تتمثل ببث العيون و الجواسيس في النزل والأسواق والمعابد والحمامات .. الخ .. لجمع المعلومات عن المسافرين والقوافل ، بغية تحديد الطريدة الأنسب ، كانوا يبحثون دائما عن المسافرين الأغنياء ، ويلجئون لوسائل عدة للوصول إليهم ، فربما اندسوا في الفنادق والأسواق في هيئة متسولين ، أو تكوموا على قارعة الطرق كالمشردين و ذوي العاهات من المرضى ، كانوا يتنكرون في هذه الهيئات والأشكال المختلفة كي يتجسسوا على المسافرين من دون أن ينتبه إليهم أحد، فكانوا يراقبون كل شاردة وواردة، ويصغون باهتمام بالغ لكل كلمة يتبادلها المسافرين و التجار وحراس القوافل فيما بينهم ، وبهذه الطريقة كانوا يتمكنون من تحديد أفضل القوافل وأسهل الغنائم.

لقد كانوا يتجسسون على القوافل والمسافرين لتحديد الطريدة القادمة و ما أن يتم جمع المعلومات اللازمة، ويجري تحديد الطريدة الأسهل والأكثر دسم ، حتى تبدأ المرحلة الثانية ، والتي كانت تناط إلى مجموعة أخرى من الخناقين وظيفتهم الاندساس تحت أي ذريعة وبأي وسيلة داخل القافلة والاختلاط بمسافريها من أجل كسب ثقتهم ، ولهذه الغاية كانوا يتلونون بمختلف الهيئات والأشكال واللبوس ، تارة كتجار ، وحينا كحجاج ، وطورا كرجال دولة ، ولا يتورعون حتى عن اصطحاب نساءهم وأطفالهم معهم لضبط الحيلة وإحكام الخدعة ، و ما أن ينجحوا في الاندساس داخل القافلة حتى يشرعوا في التهيئة للخطوة التالية ، والتي تتمثل في التحضير والتمهيد لساعة الصفر ، أي لحظة الانقضاض على القافلة ، كل ذلك يجري بالتنسيق مع مجموعات مستترة ترافق القافلة عن بعد وتحرص اشد الحرص على أن لا ينتبه إليها احد من الحراس أو المسافرين حتى تحين لحظة الهجوم المنشودة. وكان لدى الخناقين مناطق ونقاط معينة للقتل يدعونها "بيلي" ، كانوا يفضلون مهاجمة المسافرين فيها لأنهم يعرفون جميع مسالكها و خباياها ، ولأن فيها مجموعة من الآبار أو الكهوف أو الخرائب التي تصلح لإخفاء جثث ضحاياهم ، و ما أن يقتربوا من إحدى هذه النقاط حتى تتهيأ المجموعة المندسة داخل القافلة للإجهاز على رفاق السفر بالتنسيق مع المجموعات الخارجية المتربصة . في العادة كانوا يهاجمون ليلا ، إشارة بدء الهجوم كانت غالبا ما تكون على شكل غيمة صغيرة من الدخان يطلقها المسافرين المندسين داخل القافلة لينبهوا زملائهم المنتظرين خارج القافلة ، ومع انطلاق الإشارة ، كان المسافرين المندسين يشرعون في العزف والتصفيق والغناء مختلقين أي حجة أو ذريعة ليفعلوا ذلك ، وكان دافعهم إلى ذلك هو صرف انتباه مسافري و حراس القافلة عما يحاك ويدبر لهم في الخفاء ، وفي غضون ذلك تبدأ المجموعات الخارجية بالتسلل إلى داخل القافلة بهدوء وحذر شديدين مع بقاء قسم منهم في الخارج لتطويق القافلة وإحكام الفخ لئلا يتمكن إي مسافر من الإفلات والهرب.

طريقة القتل كانت واحدة لا يحيد عنها الخناقين إلا ما ندر ، فكل فرد من الجماعة لديه خرقة صفراء اللون يسمونها "رمال" ، يلفها حول عضده ويخبأها جيدا تحت ملابسه ، فإذا أزف وقت القتل قام بسحبها بخفة الساحر ثم يمسك طرفيها بكلتا يديه ويتسلل بهدوء على أطراف أصابعه من وراء الضحية الغافل عما يدبر له ، حتى أذا أقترب منه بالقدر الكافي مد يده نحوه بسرعة البرق ولف الخرقة حول رقبته بلمح البصر ، ثم يشرع في خنقه بكل ما أوتي من قوة ولا يتركه إلا وهو جثة هامدة ، و في العادة كان اثنان أو ثلاثة من الخناقين يتعاونون على قتل رجل واحد ، احدهم يخنقه ، والثاني يمسك رأسه ويسحبها للأمام ليعجل موته ، في حين يطبق الثالث على أطرافه لكي يمنعه من المقاومة .

كان الخناقون يقتلون المسافرين الغافلين واحدا تلو الآخر مستغلين ضجة الموسيقى والغناء التي أصطنعها رفاقهم داخل القافلة ، و ما أن ينتهوا من قتل الجميع ومن سلب ونهب أموالهم ، حتى تبدأ المرحلة الأخيرة المتمثلة في إخفاء معالم الجريمة بصورة متقنة لتجنب ملاحقة السلطات ولئلا يثيروا مخاوف بقية القوافل فيصبحوا أكثر حيطة و حذر في المستقبل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق