الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

قصص من تاريخ الاسلآم


الامآنة
يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، لندرة الأمانة بين الخلق ، وكأن الناس ما علموا أن الأمانة والرحم يقفان يوم القيامة على جنبتي الصراط يميناً وشمالاً ، لعظم أمرهما وكبر موقعهما ، وليطالبا من يريد الجواز بحقهما . وأما سلفنا السابقون فقد تجذرت الأمانة في قلوبهم ، فبها يتبايعون ، ويتعاملون ، ولهم في ذلك قصص وأخبار ، من ذلك ما حكاه ابن عقيل عن نفسه : حججت فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر ، فإذا شيخ ينشده ، ويبذل لملتقطه مائة دينار، فرددته عليه ، فقال : خذ الدنانير ، فامتنعت وخرجت إلى الشام ، وزرت القدس ، وقصدت بغداد فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع ، فقدموني ، صليت بهم ، فأطعموني ، وكان أول رمضان ، فقالوا : إمامنا توفي فصل بنا هذا الشهر ، ففعلت ، فقالوا : لإمامنا بنت فزوجت بها ، فأقمت معها سنة ، وأولدتها ولداً بكراً ، فمرضت في نفاسها ، فتأملتها يوماً فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر ، فقلت لها : لهذا قصة ، وحكيت لها ، فبكت وقالت : أنت هو والله ، لقد كان أبي يبكي ، ويقول : اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد عليّ ، وقد استجاب الله منه ، ثم ماتت ، فأخذت العقد والميراث ، وعدت إلى بغداد . وقال ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده ، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه .

حكم البرأة
تزوجت امرأة، وبعد ستة أشهر ولدت طفلا، والمعروف أن المرأة غالبا ما تلد بعد تسعة أشهر أو سبعة أشهر من الحمل، فظن الناس أنها لم تكن مخلصة لزوجها، وأنها حملت من غيره قبل زواجها منه.فأخذوها إلى الخليفة ليعاقبها، وكان الخليفة حينئذ هو عثمان بن عفان- رضي الله عنه- فلما ذهبوا إليه، وجدوا الإمام عليا موجودا عنده، فقال لهم: ليس لكم أن تعاقبوها لهذا السبب. فتعجبوا وسألوه: وكيف ذلك؟ فقال لهم: لقد قال الله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (أي أن الحمل وفترة الرضاعة ثلاثون شهرا). وقال تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) (أي أن مدة الرضاعة سنتين. إذن فالرضاعة أربعة وعشرون شهرا، والحمل يمكن أن يكون ستة أشهر فقط).

الحق والباطل
سأل أحد الناس عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- فقال له: ما تقول في الغناء؟ أحلال أم حرام؟فقال ابن عباس: لا أقول حراما إلا ما ذكر في كتاب الله أنه حرام.فقال الرجل: أحلال هو؟فقال ابن عباس: ولا أقول حلالاً إلا ما ذكر في كتاب الله أنه حلال.ونظر ابن عباس إلى الرجل، فرأى على وجهه علامات الحيرة.فقال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟فقال الرجل: يكون مع الباطل.وهنا قال ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك .

السؤال الصعب
جاء شيخ كبير إلى مجلس الإمام الشافعى، فسأله: ما الدليل والبرهان في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله.فقال الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: سنة رسول الله. قال الشيخ: وماذا- أيضا-؟ قال: اتفاق الأمة. قال الشيخ: من أين قلت اتفاق الأمة؟ فسكت الشافعي، فقال له الشيخ: سأمهلك ثلاثة أيام. فذهب الإمام الشافعى إلى بيته، وظل يقرأ ويبحث في الأمر. وبعد ثلاثة أيام جاء الشيخ إلى مجلس الشافعي، فسلم وجلس. فقال له الشافعي: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات، حتى هداني الله إلى قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. فمن خالف ما اتفق عليه علماء المسلمين من غير دليل صحيح أدخله الله النار، وساءت مصيرا. فقال الشيخ: صدقت..

الخليفة الحكيم
كان عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- معروفا بالحكمة والرفق، وفي يوم من الأيام، دخل عليه أحد أبنائه، وقال له:يا أبت! لماذا تتساهل في بعض الأمور؟! فوالله لو أني مكانك ما خشيت في الحق أحدا.فقال الخليفة لابنه: لا تعجل يا بني؛ فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في المرة الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه (أي أخاف أن أجبرهم عليه مرة واحدة فيرفضوه) فتكون فتنة.فانصرف الابن راضيا بعد أن اطمأن لحسن سياسة أبيه، وعلم أن وفق أبيه ليس عن ضعف، ولكنه نتيجة حسن فهمه لدينه. قصة ورقة التوت ذات يوم جاء بعض الناس إلى الإمام الشافعي، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل.ففكر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت.فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ورقة التوت دليلاً على وجود الله؟! فقال الإمام الشافعى: "ورقة التوت طعمها واحد؛ لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريرا، وإذا أكلها النحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظبي أخرج المسك ذا الرائحة الطيبة.. فمن الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟! ".إنه الله- سبحانه وتعالى- خالق الكون العظيم!

قوة عمر بن الخطاب
لا شك أن البيئة التي تربى فيها عمر بن الخطاب بما فيها من خشونة في العيش، وضيق في ذات اليد لها أثر كبير في تكوينه الجسدي، فليس من ينشأ في النعيم والظل والحرير كمن ينشأ تحت لظى الشمس الحارقة في جو مكة، وفي بيت الخطاب بن نفيل. ولد عمر بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي رحاب مكة وجَوّها القائظ، وريحها اللافحة، وصحرائها القاحلة، وأبوه الخطاب بن نفيل العدوي، كان شديد البأس، قوي الشكيمة، مما أورثه بعضا من صفات القوة. ووصف الفاروقَ من رآه بأنه رجل آدم، أعسر، أيسر يعمل بكلتا يديه، أصلع، أضخم، مفرط الطول، يفوق الناس طولاً، إذا كان فيهم بدا كأنه راكب على دابة والناس يمشون، جسيم، كأنه من رجال سدوس، كبير الشارب، إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، يصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وبلغ من فروسيته وشدة بنيانه أنه كان يأخذ بأذن الفرس بيد وبأذنه بيده الأخرى، ثم يثب على الفرس. فهو قوي حتى في مظهره الخارجي.

ملك الروم
كان الشعبي، نديم الخليفة عبد الملك بن مروان، كوفيا تابعيا جليل القدر، وافر العلم.‏ ‏ حكى الشعبيّ قال: ‏ ‏ أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم. فلما وصلتُ إليه جعل لا يسألني عن شيء إلا أجبته. وكانت الرسل لا تُطيل الإقامة عنده، غير أنه استبقاني أياماً كثيرة، حتى استحثثتُ خروجي. فلما أردت الانصراف قال لي:‏ ‏ من أهل بيت الخليفة أنت؟‏ ‏ قلت: لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ فهمس لأصحابه بشيء، فدُفعتْ إليّ رقعة، وقال لي:‏ ‏ إذا أدّيتَ الرسائل إلى الخليفة فأوصلْ إليه هذه الرقعة.‏ ‏ فأديت الرسائل عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة. فلما خرجت من قصره تذكّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إليه. فلما قرأها قال لي:‏ ‏ أقال لك شيئاً قبل أن يدفعها إليك؟‏ ‏ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت الخليفة أنت؟ قلت لا، ولكني رجل من عامة العرب.‏ ‏ ثم خرجت من عند عبد الملك، فلما بلغتُ الباب ردّني، فلما مثلت بين يديه قال لي: أتدري ما في الرقعة؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: اقرأها.‏ ‏ فقرأتها، فإذا فيها:‏ ‏ "عجبتُ من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيرَه!"‏ ‏ فقلت له:‏ ‏ والله لو علمتُ ما فيها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم يَرَك.‏ ‏ قال عبد الملك: ‏ ‏ أفتدري لم كتبها؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: حسدني عليك، وأراد أن يُغريني بقتلك.‏ ‏ فلما بلغت القصة مسامع ملك الروم قال:‏ ‏ ما أردت إلا ما قال! ..من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق