الأربعاء، 19 أغسطس 2015

هل عشت قبل هذه الحياة...!


لا بدّ لي من الاعتراف أنني عندما فكّـرت في الكتابة في هذا الموضوع، كنت أدرك أني أخوض في أحد الموضوعات الإشكالية التي يؤمن بها البعض، يتنكر لها البعض الآخر، ولا يعلم عنها أو لا يهتم بها معظم الناس.

ولا مناص من القول أن هذا الموضوع مرفوض في الأديان الرسمية، ولا أعرف ما هو السبب الحقيقي وراء ذلك رغم عشرات آلاف الأدلة التي توصّل إليها العلم الروحي بالتجربة والدليل المادي المحسوس. ولا أعلم ما هو السبب الحقيقي وراء عدم الاهتمام أيضاً لدينا، رغم أن كثيراً من الباحثين الأجانب قد أوردوا حالات للعيش قبل هذه الحياة في بلدان عربية مثل سورية ولبنان وغيرها.

رغم أن الظاهرة – العقيدة – تشكل جزءاً أساسياً من المعتقدات الدينية في آسيا، خصوصاً المعتقدات الهندوسية والبوذية وغيرها من الديانات الوضعية، إلاّ أنها بدأت تحتل حيّزاً مهماً أيضاً لدى الناس في الغرب (أمريكا، أيرلندا، أستراليا ..إلخ) بعد أن أثبت علماؤهم كما أوردنا بالدليل المادي المحسوس وجود هذه الظاهرة.

*كيف تم إثبات هذه الظاهرة؟
نتيجة الأبحاث الطويلة والتجارب المبنية على أساس قابل للقياس، توصل المختصون في هذا المجال إلى طريقتين أساسيتين هما طريقة الذاكرة المستعادة (الاسترجاعية) وطريقة الذاكرة الأولى (العفوية). تركز طريقة الذاكرة الاسترجاعية على استخدام التنويم المغناطيسي العميق والعودة بالزمن إلى الوراء، حيث يقوم الشخص المنوّم مغناطيسياً بذكر حياته السابقة التي تسبق ولادته وكيف فارق تلك الحياة.

وقد اعتبر العلماء أن هذه الطريقة تتميز بالعلمية والتجريبية والموثوقية بسبب مساعدتها على علاج الكثير من الأمراض النفسية التي لم يكن لها أي سبب في الحياة الحالية للشخص، فبالعودة إلى مراحل سابقة لولادته، تم اكتشاف أسباب أو سبب معاناة الشخص، وتم شفاؤه مما كان يعاني.
ويمكن ذكر إحدى الحالات المشهورة التي أوردها الكاتب صالح مرسي في مجلة الموقف العربي في أوائل التسعينيات عن تلك الممثلة الشقراء التي كانت تلعب دور أخت "جي آر" في المسلسل الأمريكي الذي كان يتحدث عن صناعة النفط ومغامراته.

هذه الممثلة وعلى لسان الراوي، بدأت تعاني من أعراض نفسية لم يجد لها المختصون تفسيراً، إلى أن اتقفوا أن لا حلّ إلاّ باستخدام التنويم المغناطيسي العميق.

وبسبب أهمية الشخصية موضع الفحص، فقد حضر جلسة التنويم، مدير أعمالها ومحاميها الخاص، وعدد من الأطباء، إضافة إلى مصوّر فيديو لتوثيق الجلسة. كانت النتيجة التي أذهلت الجميع أن الطبيب المستجوب لم يجد أي دليل في سنواتها السبع والعشرين في تلك الفترة، فبدأ بالعودة إلى الزمن الذي يسبق ولادتها حتى بلغ العام -73، وعندها، بدأت الممثلة بالاختلاج والصراخ.

سألها الطبيب أن تهدّأ من روعها وأن تخبره عما يخيفها ويؤلمها، فروت له أنها الآن موجودة في إحدى الولايات الأمريكية –في الجنوب الأمريكي- التي كانت تعيش فيها ذاكرة اسم الولاية والمدينة التي كانت تعيش فيها، وأنها كانت على علاقة حب مع أحد أقرباء مفتش الشرطة في المدينة، ولما كانت العلاقات الجنسية مستهجنة قبل الزواج في أمريكا في تلك المرحلة، فإن علاقة الحب تلك قد أنتجت حملاً غير مشروع.

ولمّا طالبت حبيبها بالالتزام بوعده لها بالزواج، تنكر لها. لم يكن أمامها من حل سوى الذهاب إلى الشرطة لأخذ حقها، لكن النتيجة كانت أن تمّ إيداعها في أحد الزنزانات بتهمة الادّعاء الكاذب بسبب نفوذ قريب حبيبها السابق. ونتيجة تعذيبها في السجن للتراجع عن ادّعائها توفيت.
وبعد الانتهاء من جلسة التنويم المغناطيسي، كان الجميع مذهولاً، فذهبوا إلى تلك الولاية وتأكدوا من السجلات المحفوظة أن كل ما ذكرته تلك الممثلة قد حدث على أرض الواقع بتواريخه وأسماء أشخاصه وأماكنه. وشفيت الممثلة شفاء تاماً بعد ذلك.

في الحقيقة إن معظم ما كتب حول هذا الموضوع كان باللغات الأجنبية. وإذا ما وضعنا في محرك البحث عنواناً يتعلق بموضوعنا هذا لظهر لنا عشرات آلاف الأبحاث والكتب وليس آلافاً.
ومن أهم الأبحاث في هذا المجال، البحث الذي قام به الطبيب النفسي الأسترالي (بيتر رامستر) الذي قام بتوثيق هذه الظاهرة عن طريق الأفلام والكتب. ويعتبر كتابه " البحث عن أجيال سابقة" الصادر عام 1990 أحد أهم الكتب في هذا المجال لاعتماده على القياس التجريبي والأدلة العلمية الملموسة.

يورد في كتابه قصة أربع سيدات أستراليات ليس لديهن أدنى إيمان بموضوع حياة قبل هذه الحياة ولم يخرجن أبداً من أستراليا.

لكن إحداهن وهي "غوين ماكدونالد" وبمساعدة طريقة الذاكرة الاسترجاعية، ذكرت أنها كانت تعيش في مقاطعة "سومرست" في بريطانيا بين عامي 1765 م -1782 م.
وتم التأكد من كلامها حين ساعدت الفريق المرافق لها في إيجاد طرق مختصرة للأماكن التي يريدون الوصول إليها أكثر دقة من الخرائط التي كانوا يصطحبونها معهم. كما ذكرت أسماء قرى غير موجودة اليوم، لكن هذه الأسماء كانت موجودة منذ نحو 200 عام. كما استخدمت كلمات و مصطلحات وعبارات قديمة لم تعد تستخدم في هذه الأيام و ليست موجودة حتى في المعاجم، لكن تم التأكد من صحتها عن طريق الأهالي الموجودين في المنطقة.

كما أكدت أنّ اسم مدينة "غلاستنبوري"Glastonbury -عاصمة المقاطعة- كان قديماً "ساينت مايكل"، وهو ما تم التأكد منه من خلال السجلات الرسمية لتلك الفترة. أمّا "سينثيا هاندرسون"، فقد تحدثت باللغة الفرنسية بطلاقة، عائدة بذاكرتها إلى حقبة الثورة الفرنسية، ذاكرة أسماء أماكن ومواقع لم تعد موجودة في الخرائط الفرنسية. ويحفل الكتاب بالعديد من التفاصيل والقصص التي تؤكد وجود هذه الظاهرة [2].
أمّا طريقة الذاكرة العفوية فتعتمد على اللقاءات مع الأشخاص الذين يدّعون أنهم عاشوا قبل هذه الحياة.

يعتبر الدكتور "إيان ستيفنسون" أحد أهم روّاد هذا الاتجاه والذي أمضى سنوات عديدة في البحث العلمي والتحقيق مع أكثر من أربعة آلاف طفل في الولايات المتحدة، بريطانيا، تايلاند، بورما، تركيا، لبنان، كندا، الهند، ومناطق أخرى من العالم.
وللتأكد من صحة ادّعاءات هؤلاء الأطفال، قام بدراسة السجلات الطبية وشهادات الولادة والوفاة والصور الفوتوغرافية وغيرها من المراجع والوثائق التي تجعل مما سمع حقيقة دامغة.

* الشامة أو الوحمة
لاحظ ستيفنسون من خلال دراسته للتقارير الطبية أن الأطفال الذين ادّعوا تعرضهم للقتل في الحياة السابقة، ظهر في أجسادهم مكان الفعل شامة أو وحمة كما حدث مع الطفل "رافي شنكار" الذي تذكّر كيف قطع أحد أقربائه رأسه طمعاً بثروة أبيه. وقد وُلِـدَ "رافي" في حياته الحالية مع وجود علامة فارقة تحيط برقبته.

كذلك قضية فتى من تركيا تذكر أنه كان في حياته السابقة لصّاً وأنه كان محاصراً من قبل الشرطة، فأطلق النار على نفسه تحت الذقن من الجهة اليمنى، وبعد التأكد، تبين وجود علامة فارقة تحت الذقن في الجهة اليمنى –مكان دخول الرصاصة- وتبين وجود علامة أخرى في الرأس -مكان خروج الرصاصة- [4].
قصة عماد الأعور اللبناني
كان أسلوب الدكتور ستيفنسون يعتمد على الزيارات المفاجئة لمن يسمع عنهم أنهم أدّعوا أنهم عاشوا قبل هذه الحياة.

كان الفتى ذي الخمسة عشر ربيعاً يقول بأنه كان يعيش في قرية قريبة ولا تبعد أكثر من خمسة وعشرين كيلومتراً من مكان قريته الحالية ذاكراً التفاصيل بمنتهى الدقة، متحدثاً مع أقاربه السابقين بل حتى مع أحد زملائه الذين أدى الخدمة العسكرية معهم. وقد خلص الدكتور "ستيفنسون" إلى الصحّة القطعية لـ 51 من أصل 57 حالة [4].
التكلم بلغات غريبة

من القضايا التي كشفت عنها الأبحاث المتعلقة بهذا الموضوع أن بعض الخاضعين للفحص أو ممن كانت تنتابهم حالات نفسية معينة، كانوا يتكلمون بلغات لا يعرفونها أو أنها قديمة جداً أو أنها انقرضت ولا يعرفها سوى العلماء المتخصصين في اللغات القديمة.

فقد أورد الدكتور " موريس نيثيرتون " أن فتىً أوروبياً أشقر الشعر ذي عينين زرقاوين تحدث بلغة غريبة أثناء جلسة التنويم المغناطيسي. وعند سؤاله لأحد المتخصصين في قسم اللغات القديمة في جامعة كاليفورنيا، عن هذه اللغة، تبيّن أنها لغة صينية قديمة انقرضت منذ أكثر من ألف عام [3].

* بين المؤيدين والمعارضين
إن ما تم ذكره من حالات وحوادث تم إثباتها بالدليل العلمي والمادي المحسوس هو جزء يسير مما هو متوفر أو متاح في أدبيات هذا العلم. ولا يتسع المجال هنا لذكر أمثلة أكثر، والمؤسف أن معظم ما هو مكتوب في هذا المجال هو باللغات الأجنبية ويتعدى عشرات الآلاف كما ذكرنا سابقاً.
يؤكد المؤيدون للحيوات المتعددة أن الهدف من ذلك هو تحقيق العدل الإلهي من خلال إعطاء الروح الواحدة فرصاً متعددة من أجل الوصول إلى المعرفة الحقيقية والتكفير عن الأخطاء التي يمكن أن تكون قد مرّت بها والارتقاء إلى الأصل الذي نتجت عنه.
أمّا المعارضون لهذه الظاهرة، فقد أغلقوا مهمة الاجتهاد حولها أو دراستها منذ زمن بعيد وأن الإنسان يعيش مرّة واحدة ويموت مرّة واحدة ويبعث يوم البعث كي يحاسب مع جميع الخلق مرّة واحدة.

وهناك آخرون يقولون بإمكانية الرجعة وفق شروط محددة وفي علم الله أيضاً [6].
ويجيبون حول كيفية حساب من يولد غنياً مع من يولد فقيراً وكيفية حساب من توفي في السبعين من العمر أو أكثر وبين من ولد ميتاً، أو توفي بعمر عدة أيام أوشهور، بأن ذلك علمه عند الله وهو وحده القادر على الإجابة.

منقول عن (الدكتور المهندس أكرم شحيدة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق