السبت، 21 نوفمبر 2015

الدين، ومسألة رفض المخلوق الآخر!



إن فكرة رفض وجود مخلوقات اخرى في الكون إستناداً إلى آيات من القرآن الكريم يعتقد أنها أدلة تدعم وجهة نظر قائمة على أن الإنسان (بني آدم) هو المخلوق المكرم ومحور قضية الخلق والذي سخر الله الكون له مع ملاحظة ان الإنسان ( خليفة الله على الأرض ) وليس على الكون كله، وبناء على هذا المنطلق ينبغي عدم التفكير في إحتمالات أخرى ترجح وجود حضارات أخرى أو حتى حياة أخرى في الكون بحسب ما يعتقد به معظم علماء الفلك الحاليون.

عملية الخلق
في رأيي أن عملية الخلق مستمرة ولم تتوقف أبداًُ منذ فجر ولادة الكون. خاصة وأن الله وصف نفسه بـ "الخلاق" وهي صيغة مبالغة في اللغة وتدل على صفة الإستمرارية في الخلق، يقول الله تعالى : {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاًقُ الْعَلِيمُ} - آية (81) - سورة يس

● لم تحدث عملية الخلق مرة واحدة وتوقفت هناك في تلك اللحظة ، عملية الخلق هذه تخضع لمفاهيم نظرية التطور الداروينية بحسب ما وصلت إليه علومنا وما تدل عليه المستحاثات والسجلات الأحفورية في الأرض ولكن لا يوجد دليل حتى الآن بأن بذرة الخلق أي الخلية الأولى أو الحمض النووي DNA الأول أتت من مصدر وحيد أو من مكان وحيد ، فقد تكون متأتية من أماكن مختلفة على وجه الأرض فما بالك إذن بالعدد الهائل من الكواكب في هذا الكون الفسيح والمرشحة لأن تملك ظروفاً مآتية للحياة وشبيهة بطبيعة الأرض المناخية من توفر الأوكسيجين والماء والغلاف الجوي الواقي من الأشعة الكونية المدمرة والحرارة المناسبة لنشأة الحياة، لدينا البلايين من المجرات ويحوي كل منها البلايين الأخرى من النجوم وكل نجم له عدد من الكواكب ، فهناك إذن إحتمال لا يستهان به لإمكانية تواجد الحياة في الكواكب الأخرى ، نقول هنا : لم لا ؟

بين العلم والدين
بما أننا نعيش في مجتمع قدري و روحاني ويؤمن بالغيب فلن نكتفي بما وصلت إليه فرضيات العلوم ونظرياتها وتجاربها المخبرية بل سنعود دائماً إلى مرجع يتمثل في الكتب المقدسة كالقرآن الكريم لكي نجد فيه ما يدعم أو يدحض تلك الفرضيات أو النظريات ، فإذا رأينا في تلك النظريات ما جاء في القرآن الكريم سنعتبره عندئذ " إعجازاً علمياً "، وعندما لا نجد لها ذكراً فيه فعندئذ سنرفضها رفضاً قاطعاً ونصفها بعلم زائف أو كاذب ، منبع هذا الرفض ناتج عن خوفنا الدائم من خسارة الإيمان الذي هو أغلى ما لدينا ولذلك نحاول دائماً تجنب الخوض في تلك الأمور (ربما عن جهل) مع أن تلك الفرضيات قد لا تتناقض صراحة من النص القرآني لعدم إحتوائه عليها من الأصل.

أعتقد أنه علينا إعادة النظر إلى تلك الفرضيات التي تبدو لنا لأول وهلة بأنها تمثل تناقضاً ظاهرياً مع إيماننا ، ليست العلة الحقيقة في عدم الخوض فيها ولكن علينا أن نقيم مفهوماً جديداً لما تعنيه تلك الآيات القرآنية عسى أن نقترب من الحقيقة وهي حقيقة نسبية على أية حال.

البحث عن دليل
أتحدى الفقهاء في علوم الدين أن يأتوني ( بآية ) صريحة مباشرة غير خاضعة للتأويل تدحض إمكانية وجود مخلوقات أخرى في الكون ، فالحجة الرئيسة والوحيدة التي يرتكزون عليها مع إحترامي الكامل لعلومهم وإجتهاداتهم هي نفي وجود كائنات عاقلة أخرى في الكون فقط لأنها غير مذكورة ، فالله (حسب وجهة نظرهم) لم يذكر سوى الإنس والجن (الثقلان المكلفان) وكذلك الملائكة، وغيرها من الحيوانات الأرضية كالعنكبوت والنمل والنحل والبهائم والخيول والطيور والحيوانات المفترسة وهي كلها حيوانات أرضية ليست من خارج الأرض".

عدم ذكرهم لايعني بالضرورة إنتفاء وجودهم؟!
هناك كائنات عديدة لم يذكرها الله كالديناصورات مثلاً التي هيمن جنسها على الأرض أكثر من أي مخلوق على وجه تلك الأرض، امتدت هيمنتها ملايين السنين ولم تنقرض إلا منذ 65 مليون سنة عند أواخر العصر الجوراسي، وهناك أيضاً أشباه البشر من القردة ومنها "إنسان نياندرتال" التي عاشت منذ حوالي 30 ألف سنة وأكد على وجودها بالدليل المادي السجلات الأحفورية وهي كائنات ذكية وعاقلة عرفت كيف تستخدم النار ، عاشت في الكهوف وابتكرت أدوات للصيد ولبست من جلود الحيوانات وكذلك رسمت على جدران الكهوف، ذلك كله قبل مجيء بني (آدم) عليه السلام بكثير (من 10 آلاف إلى 15 ألف سنة مضت) الذي عرف عنه الزراعة وإخترع الكتابة وبناء المدن (تأسيس الحضارة) وهذا ما مميزه عن الأجناس الأخرى السابقة.

أخلص إلى القول بأن عدم ذكر أمر في القرآن لا ينفي وجوده من الأساس أو على الأقل مجرد التفكير في إمكانية وجوده فالمخدرات لها مضار عديدة قد تفوق تعاطي الكحوليات أو الخمر لما لها من تأثير هائل على المجتمع لحد أن كثيراً من الدول تتشدد في عقوباتها التي تصل إلى الإعدام كما في إيران والسعودية وأندونيسيا ، ومع ذلك لم تذكر في القرآن الكريم، فهل هذا يعني أنها غير موجودة ؟ أو أنه لا يوجد ضرر من تعاطيها ؟ لا بالطبع فهي موجود ومدمرة ، وبناء على ذلك يجري القياس.

أيد الفاتيكان أخيراً إمكانية وجود مخلوقات من خارج الأرض فما هو رأي الأزهر الشريف في ذلك ؟ ، في الواقع لا نملك دليلاً واحدأً دامغاً ومادياً على وجود مخلوقات خارجية (قد تكون يأجوج ومأجوج مثلاً) ولكنها قد تعيش معنا وتتخفى عن عمد، قد تكون تلك المخلوقات المخادعة في تخفيها نوعأً من الجن تتشكل بطريقة ما ، وقد تكون (رؤى فقط) ولا تملك أن تتجسد مادياً كفلاشات من عالم مواز لعالمنا ولكن تعيش في بعد مكاني آخر معنا .

مخلوقات أخرى في القرآن
أريد التنويه إلى أن القرآن الكريم ذكر كائنات لم تكن بشر، جن، ملائكة أو حتى حيوانات أرضية وهي:

● البراق : ذلك الكائن السماوي الذي امتطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معجزة رحلة الإسراء، لم يذكر أحد أنه كان ملاكاً أو جناً ؟

● الحور العين : ماذا عنهن ؟ وصفت في القرآن كأنها لؤلؤ مكنون : {وَحُورٌ عِين}ٌ (22) {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} (23) {جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ؟ هل هي بشر ؟ أم مخلوقات أخرى ؟ وهل الخالق عز وجل بعاجز أن يخلق مخلوقات أخرى (ما عاذ الله) ؟

● يأجوج ومأجوج : الذين ذكرهم القرآن والتوراة على أنهم قبائل ؟ هل هم بشر ؟ كيف يستطيع بشر العيش في مكان مخفي أو يظن أنه في باطن الأرض ؟! سؤال يحتاج إلى إجابة .من المؤكد أنهم ليسوا جن أيضاً . وإن كانوا بشراً أين يعيشون ؟ وأين هو السد الذي حجبهم عنا ؟ هل هو سد بين عالمنا الأرضي وعالمهم الغير أرضي ؟

ويكفينا بأن الله "رب العالمين" أي رب العوالم جميعها كما ورد سورة الفاتحة في الآية الأولى "الحمد لله رب العالمين" ، والتي يذكرها المسلم في كل صلاة يومياً المرات وهو يؤدي الفروض الخمس .

دعوة لإنفتاح الذهن
في النهاية أقول أن علينا أن نفتح الذهن وأن لا نكون سجناء فكر فقهاء الماضي ، فقهاء الماضي لم يعلموا أبداً بالحمض النووي والنظرية النسبية وذلك الإنفتاح الهائل للمعارف في كافة أصقاع العالم إضافة إلى معرفة القراءة والكتابة في ذلك العصر الذي يوصف بأنه ثورة العلوم بكل تواضع ، فإذا درجنا على الإستمرار في إتخاذ آرائهم القديمة كما هو شائع في الكتب الجديدة المنشورة من آن لآخر والتي لا تنطلق إلا من منظور واحد فقط هو النصوص المقدسة وما تناقل من الأحاديث وكأن الله اختصر علومه كلها في الكتب المقدسة فإننا لن نقرتب من الحقيقة أبداً لأن هناك حلقة مفقودة تتمثل في إدراكنا لمستجدات العلوم، هل ذكر قانون الجاذبية في القرآن مثلاً ؟ لا بالطبع ولكن اكتشفته علومنا.

الله خلق هذا الكون ووضع ذلك العقل فينا لإكتشاف عظمته ، لإكتشاف براعته وإبداعه وأعتقد أن ذلك جزء من العبادة ، لأنك تجد في الله العظمة التي تصغر أمامها أكثر فأكثر مع زيادة معارفك، يقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} آية (56) - سورة الذاريات ، فمعظم هؤلاء الفقهاء رغم معارفهم الواسعة في الدين إلا أنهم يناقشون أمور كثيرة في العلم وكأنهم جهابذتة وتجد مراجعهم التي يستندون عليها شبه خالية من المراجع العلمية العصرية سوى من كتب من خلفهم من فقهاء الدين ، علينا ربط النص المقدس بعلوم عصرنا الراهن، ومن أجل ذلك علينا أن نشرك العالم بعلوم الدنيا مع العالم بعلوم الدين فكلاً منهما يكمل الآخر.

نقترب من الحقيقة فقط عندما نملك مفاتيح العلوم الحالية فيكون عندئذ للنص المقدس معنى جديد يختلف عن معناه القديم الذي كان يظن أجدادنا أنه هو عين الحقيقة، خصوصاً ما يتصل بأحداث التاريخ والمعجزات والخلق والكون ، باستثناء القيم النبيلة والأخلاق والقوانين الإلهية والطقوس الدينية التي تعتبر أموراً جوهرية لا تتغير مع تقادم الزمان وإن تغيرت نظرتنا نحوها من جيل إلى آخر.

الحقيقة نفسها نسبية - والحقيقة المطلقة يعلمها « الله تعالى » لأنه هو الغيب الأكبر والحق المطلق.

( بقلم: كمال غزال )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق