الاثنين، 4 يناير 2016

لغز اختفاء حراس المنارة



زار الواعظ فلانان جزر الصيادون السبعة النائية والتابعة لاسكتلندا في القرن السابع الميلادي وبنى فيها كنيسة صغيرة ومد إليها جسراً ومنذ ذلك الحين سميت بإسمه.

احاطت بها الخرافات والأساطير والقصص ربما لأنها نائية وخالية من السكان، كان الرعاة يذهبون لرعي مواشيهم هناك. لكنهم كانوا يعودون فزعين عند حلول الظلام خشية المبيت فيها ليلاً فالأرواح الشريرة تجوب تلك الجزر النائية بلا هوادة.

بُنيت في جزيرة اليان مور إحدى تلك الجزر منارة للسفن عام 1898 إهداء لذكرى ذلك الواعظ واضيف لها مسار للسكة الحديدية من أجل تسهيل التنقل وتوصيل إمدادات التموين ووقود الإضاءة للحراس في المنارة.

● أين ذهبوا؟!
الجزيرة خالية إلا من المنارة وحراسها ويحيط بها المحيط من جميع الجهات
أبحرت سفينة الإمدادت الصغيرة الى جزر فلانان وتوقفت بمحاذاة مرفأ جزيرة ايليان مور النائية والخالية من السكان باستثناء حراس المنارة الثلاثة. كانت السفينة قد تأخرت في الابحار من أجل زيارتها الروتينية المقررة في العشرين من ديسمبر 1900 بسبب سوء الأحوال الجوية وهيجان العواصف الذي أوقف المؤشرات الحيوية في البيئة المحيطة، ولم تصل الى هناك الا في ظهيرة السادس والعشرين من ديسمبر وهو اليوم المخصص لتعبئة الصناديق من أجل الإمدادات.

لا يوجد سوى مرفأ صغير لا تستطيع سوى القوارب ان ترسوفيه وبصعوبة ..
كانت أنوار المنارة مطفأة مما أثار غضب طاقم السفينة لأنهم وجودوا صعوبة في الوصول، ولاحظ طاقم السفينة حال وصولهم ان علم السارية كان منزوعاً عنها ولا أثر له حولها، وصناديق التخزين حيث توضع عادةً لإعادة تعبئتها ليست هناك. لم يظهر أحداً من الحراس لاستقبال السفينة فتعجب قائد السفينة السير جيمس هارفي لذلك لأنه منوط بالحراس استقبال سفن الامدادت عند قدومها للجزيرة، فقام بإطلاق البوق وإرسال شعلة تحذيرية للفت الانتباه لكن لم يستجب لذلك أحدا من الحراس الثلاثة.

كان على ظهر السفينة الحارس البديل جوزيف مور الذي كان مفترضا منه ان يأخذ بالإضافة الى حارسين آخرين المناوبة في حراسة المنارة، فركب القارب واتجه الى الجزيرة ليتحقق من الحراس وعن الأسباب التي أعاقت خروجهم لاستقبال السفينة، صعد الدرجات الشاهقة شديدة الانحدار التي تصل للمنارة بخطوات متثاقلة طويلة وهو يشعر بنذير الشؤم يزداد كلما اقترب إلى أعلى الجرف حيث تنتصب المنارة.

عندما وصل الى هناك لاحظ مور شيئاً خاطئاً، فباب المنارة كان مفتوحاً، لم يستجب الحراس للبوق ولا للشعلة التحذيرية التي أطلقها الكابتن من سفينته فكيف للباب ان يكون مفتوحا هكذا من دون ظهور الحراس للترحيب بالسفينة؟ هنا شعر انه مقبل على اكتشاف شيء لا يسره. دفع الباب متجهاً الى الداخل وكان أول ما لاحظه هو علاقة المعاطف، لم يكن عليها الا معطفاً جلدياً واحداً بينما لم يكن الاثنان الآخران هناك. مضى متجهاً صوب المطبخ فلاحظ أن طاولة الطعام في وضع مربك وقد وضعت عليها اطباق الطعام الذي كان معداً للعشاء لكن الحراس لم يتناولوا عشاؤهم وبقي كما هو، الا ان احدهم كان قد بدأ بتناول الطعام قبل ان تتم مقاطعتهم لينهضوا على عجل وعلى إثر ذلك انقلب احد الكراسي على الارض. يبدوا ان أمراً رهيباً قد فاجئهم.

خرج من المنارة وعاد الى السفينة ليخبر الكابتن بكل ما أكتشفه هناك، وعلى الفور عين الكابتن الحارس المساعد الآخر وأحد البحارين ليعودا مع مور الى المنارة من أجل المزيد من التحقيق والبحث عن الحراس في الجزيرة. فوجدوا أن كل الساعات الموجودة في المنارة قد توقفت عن العمل، وجميع المصابيح قد تم تنظيفها وإعادة ملئها.

● كان الطعام موضوعا على المائدة لكن لا أثر للحراس
ترك الكابتن مور بمعية ثلاثة بحارة في الجزيرة للتحقق من الحادث الذي وقع للحراس ولإبقاء مصابيح المنارة مضاءة حتى إجراء ترتيبات أخرى، وعادت السفينة الى المحطة ومن هناك أرسل الكابتن هارفي بسرعة برقية الى البر الرئيسي يخبرهم فيها بوقوع حادث مروع ادى الى اختفاء حراس المنارة الثلاثة وأخبر في برقيته أنه لم يكن لهم أثر في المنارة ولا في الجزيرة، وقام البر الرئيسي بدوره بتوجيهها إلى مقر مجلس منارة الشمال في ادنبره. وأخبرهم في برقيته أنه بناء على تحقيقاته التي اجراها هوورجاله في المنارة وفي الجزيرة أشارت لهم الدلائل على ان الحادث الذي على إثره اختفى ثلاثتهم وقع منذ أسبوع.

استأنف الرجال الذين تخلفوا في الجزيرة البحث عن الحراس وعادوا للمنارة ليقلبوا كل حجرٍ فيها، كانت أسرة الحراس غير مرتبة وكأنهم قد نهضوا من أسرتهم قبل قليل، وكان هناك خيوط غريبة من الاعشاب البحرية على الدرج وفي حفرة صغيرة حيث كان الحراس يحتفظون بسجل المنارة. في الجزيرة كان هناك خراب لا يوصف، كان السور المحيط بالسكة الحديدية منحنياً وقد تغير شكله، ومسار السكة الحديدية قد أُنتزع من الخرسانة التي كان مثبتاً بها تماماً.

● صورة الحراس قبيل اختفائهم .. ماذا حل بهم يا ترى ..

بعد ارسال البرقية بأيام قلائل حضر للجزيرة مشرف السفن روبرت ميورهد للتحقيق في الأمر، ولم يعثر على أي شيء غير الذي ذكره مور، باستثناء شيء غير ملحوظ وهو سجل المنارة.

كانت مدخلات السجل غير عادية، ففي الثاني عشر من ديسمبر دون الحارس توماس مارشال وهوالمساعد الثاني انه هبت على الجزيرة عاصفة شديدة لم يرى مثلها خلال عشرين عاماً، وأن الحارس الرئيسي جيمس دوكات كان هادئاً وصامتاً بشكل غير عادي بينما الحارس الثالث ويليام مكارثر كان يبكي كطفل صغير طوال الوقت

وفي مدخلات الثالث عشر من ديسمبر دون توماس ان العاصفة مازالت ثائرة وأنهم يصلون الى الرب لتتوقف هذه العواصف. لم تكن هذه المدخلات هي الغريبة بحد ذاتها انما تناقضها مع بعض الوقائع المعروفة لميورهيد، فالمنارة بُنيت حديثاً وتعلو فوق مستوى سطح البحر ب150 قدماً فلماذا يتضرع الرجال الثلاثة خوفا من العاصفة وهم في مأمن تام منها؟ ليس هذا فحسب فالحارس الثالث ويليام مكارثر لم يكن مبتدئاً لينهار في نوبة بكاء جراء العاصفة فهو بحار مخضرم ومعروف في البر الرئيسي الاسكتلندي بشجاعته ورجاحة عقله وخبرته الطويلة في الإبحار التي مر خلالها بالكثير من العواصف والتي تجعل من الغرابة ان ينهار بهذه السهولة.

وما يزيد الامر تعقيداً هوان التقارير الجوية في الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من ديسمبر لم تظهر وجود اية عواصف في الجزيرة بل على العكس كان الجوهادئاً ولطيفاً ولم تبدأ العواصف المقرر هبوبها في الارصاد في ضرب الجزيرة الا في السابع عشر، فلماذا اظهرت مدخلات السجل وجود عواصف شديدة تهب على الجزيرة؟!

كان آخر المدخلات في السجل بتاريخ الخامس عشر ويذكر فيه توماس ان العواصف قد هدأت والبحر مستقر و" الرب كان فوق الجميع" فما الذي عناه بالرب كان فوق الجميع؟!

● وظيفة الحراس هي الأبقاء على هذا المصباح العملاق مشتعلا
عاد انتباه المشرف الى علاقة المعاطف الجلدية، التي كان معلقاً عليها معطف احد الحراس، فكيف للحارس في هذا الجو البارد ان يخرج من دون معطفه؟ ما الدافع اوالحادث الرهيب الذي جعله يخرج من المنارة من دون معطفه؟ ثم انه حسب إجراءات البر الرئيسي على احد الحراس ان يتواجد في المنارة مهما كانت الظروف لا أن يخرج ثلاثتهم ويتركونها خالية هكذا.

● هناك سكة تربط ما بين المنارة والمرفأ وذلك لنقل المؤن والوقود
عُثر على صندوق الحبال الذي تحمله رافعة الامدادت مطروحاً على الأرض والحبال مبعثرة على الصخور، وهذا جعل ميورهد يظن بأن الرجال ذهبوا لتجميع الحبال المبعثرة فوق الصخور بجانب البحر فضربتهم موجة انتشلتهم معها، لكن المتشككين تساءلوا لماذا لم تلقي الأمواج بجثة أحدهم على الأقل على الشاطئ؟ ولماذا ظهرت على اثنين من الحراس المخضرمين سلوكيات غريبة اذا كان كل ما حدث لهم هومجرد غرقهم في موجة ضاربة؟

هناك فرضيات ونظريات عديدة في محاولة معرفة ماذا حل بالحراس الذين لم يسمع عنهم احد مرة اخرى ولم تظهر جثثهم ابدا.

ظلت هذه الحادثة الغامضة على مدى عقود محل كثير من التخمينات والاسئلة، بين من يؤيد رأي ميورهد بأنهم غرقوا جراء العاصفة، وبين من يرى ان ما حدث لهم اكبر من ذلك مفسرين ذلك بتفسيرات خارجة عن الطبيعة قائلين بأنهم واجهوا كائنات اخرى خاصة وأن الجزر كانت محل للكثير من القصص عن جود الاشباح الهائمة. وهناك من يرى انه تم اختطافهم من قبل كائنات من الفضاء الخارجي ويدعم هذا الرأي ما ذكره الحارس في السجل بأن الرب فوق الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق