الإيمان "بالقرن العشرين".. وكيفية الوصول إليه
من تطبيق ..حقيقة سيدنا محمد تظهر في القرن العشرين
ليس المقصود بالإيمان بالله تعالى الاعتراف بوجود الخالق ذلك الاعتراف القولي الذي يدور على ألسنة العامة من الناس لأن مجرَّد الاعتراف بوجود الخالق لا يُسمَّى إيماناً وهو لا يغرس في قلب صاحبه مكرمة أو يكسبه فضيلة أو ينتزع من نفسه خبثاً كما لا يدخله في الآخرة جنة أو يقِيهِ ناراً. وقد ضرب لنا تعالى على ذلك إبليس مثلاً وذكر لنا في القرآن الكريم اعترافات إبليس بوجود خالقه وإقراره له بالربوبية والعزة فقال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيكَ لَعْنَتِي إِلى يَومِ الدِّينِ، قَالَ رَبِّ فأنْظِرنِي إلَى يَومِ يُبْعَثُونِ، قَالَ فإِنَّكَ مِنَ المنْظَرينَ، إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} سورة ص: الآية (75-83).
ففي الآية الأولى اعتراف منه لخالقه وفيما يليها إقرار بربوبيته ثم أقسم بعزّة الله ومع ذلك كله وصف تعالى إبليس بأنه من الكافرين وأنَّ عليه اللعنة إلى يوم الدين. وكذلك اليهود ما كان اعترافهم بخالقهم ليردَّهم عن طغيانهم قال تعالى: {وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَينَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِياءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِنْ كُنتُم مُؤمِنينَ} سورة البقرة: الآية (91).
وإذاً فليس الإيمان بالخالق اعترافاً قولياً إِنَّما هو شعور داخلي ولَّده في النفس بحث ذاتي وتفكير متواصل فجعل صاحبه يسبح في جلال الله تعالى ويخر ساجداً لعظمته وهكذا فالإقرار النفسي المقرون بذلك الشعور والتذوق المنبعث من قرارة النفس هو الإيمان الصحيح وما سواه مما يتلقنه الإنسان من أبيه وأمه أو البيئة التي ينشأ فيها تلقُّناً ولا ينبعث في النفس متولِّداً عن نظر وتفكير ما هو بالإيمان المطلوب.. ولكن كيف يتولَّد هذا الإيمان الذي هو أساس طهارة النفس وتحليتها بالكمالات الإنسانية في نفس الإنسان وكيف يشعُّ في قلبه؟.
أقول: لقد خلق الله الإنسان وميَّزه كما ذكرنا من قبل على سائر المخلوقات بتلك الجوهرة التي يستطيع أن يتوصل بها للكشف عن الحقيقة وأعني بهذه الجوهرة التفكير. ثمَّ إِنَّ الله تعالى جعل هذا الكون وما فيه من آيات بينات ونظام بديع وحكمة بالغة بين يدي الإنسان كتاباً مفتوحاً يستطيع أي إنسان كان إذا نظر فيه مدققاً وتفكَّر مُتأمِّلاً أن يعظِّم هذا الكون تعظيماً يهتدي من ورائه إذا كان صادقاً في طلب الحقيقة إلى معرفة خالقه والإيمان به والخشوع له وهكذا فمعرفة المربي هي النبراس الذي يصل بالإنسان إلى مشاهدة الحقيقة وهي السبب الوحيد في الوصول إلى الخير والسعادة. وقد وهب الله النَّاس جميعاً الفكر تلك الأداة التي يستطيعون بواسطتها أن يصلوا إلى معرفة خالقهم ومربيهم، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وبثَّ في هذا الكون مالا يحصى من الآيات التي تساعد الفكر على البحث والاستدلال، فمن استفاد من هذه الجوهرة الثمينة، وأشغل فكره وأعمله في معرفة خالقه ومربيه فقد ظفر بالسعادة وفاز، ومن أشغل هذا الفكر وأعمله في السعي وراء المكاسب الدنيوية، وتأمين الشهوات الدنية فقد خاب وخسر هذه الحياة: {قُلْ هَلْ نُنبِئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولئكَ الَّذينَ كَفَرُواْ بِآياتِ رِبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامةِ وَزْناً، ذَلِكَ جَزَاؤُهُم جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلي هُزُواً، إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ كَانَتْ لَهُم جَنَّاتُ الفِرْدَوسِ نُزُلاً، خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} سورة الكهف: الآية (103-108).
وينطوي تحت كلمة (الإيمان) نقاط إذا توصَّل إليها الإنسان كان إيمانه صحيحاً منجياً مولِّداً في نفسه الكمال، وأعني بتلك النقاط أن يتوصَّل الإنسان بفكره إلى أن له خالقاً خلقه وأوجده على هذا الكمال. وأن هذا الخالق هو المربِّي القائم على تربية الإنسان والمتكفِّل بكل احتياجاته ورزقه، وأن ينتهي به تفكيره أخيراً إلى أن خالقه ومربِّيه هو الإلۤه المسيِّر الذي بيده مقاليد الأمور كلها، وسير المخلوقات جميعها، فما من حركة في الكون إلاَّ وهي راجعة إليه وما من سير إلاَّ به. فإذا تحقَّقت هذه النقاط في نفس الإنسان كان إيمانه صحيحاً، أما الذين يعتقدون بوجود الخالق اعتقاداً لم يرافقه تحقُّق النفس من هذه النقاط التي ذكرناها فليس إيمانهم بالإيمان الصحيح ولا المنجِّي من الهلاك، ولا المكسِّب للفضائلِ والقيمِ الإنسانية التي تسمو بالإنسان إلى الكمال الإنساني لينهض بأخته بالإنسانية وأخيه إلى السعادة.
وقد أشار تعالى في القرآن الكريم إلى الطريق التي يستطيع أن يتوصَّل بها الإنسان إلى هذه النقاط التي يتم التفكير بها للوصول بالأصول: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} سورة الزمر: الآية (6).
فهذه الآية الكريمة إنما تعرِّفك بآن واحد بخالقك ومربِّيك ومالكك وإلۤهك "مسيِّرك" فإذا رجعت إلى نفسك لما كنت جنيناً في بطن أمك فلا بدَّ أنَّه ستتوارد عليك طائفة من الأسئلة فتقول: من الذي خلق هذه النطفة وأوجدها؟. ولا شك أن تفكيرك يعرِّفكَ بأنَّ خالقاً أخرجك من طيَّات العدمِ إلى الوجود وجعلكَ في هذا المستودع الأمين.. من الذي جعل يربِّي هذه النطفة وينميها حتى تطورت من علقة إلى مضغة إلى أن أصبحت إنساناً سوياً؟. إن هذا يعرِّفك بأن لك مربِّياً أمدَّك بالغذاء شيئاً فشيئاً وأحاطك برعايته حتى تموْتَ متدرِّجاً من حال إلى حال. وأخيراً تجد نفسك أمام الجواب على سؤال إذ تقول من الذي كان يقلبني من طور إلى طور، فمن نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة ومن مضغة إلى عظام إلى أن أصبحت مخلوقاً كاملاً وإنساناً سوياً. إن هذا التطور والتحوُّل لا بدَّ له من مقلِّب محوِّل، وهذا التسيير والتحويل لا بد له من مسيِّر ومحوِّل، وعندئذ تؤمن بأن الخلْق والتربية والتسيير كل ذلك أشرفت عليه عين ساهرة، ورعته ورعت الخلائق كلها معه عناية واحدة، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة التي قدمناها في قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.. هذا ولكن هذا النوع من التفكير الإنساني السامي الذي به تستأنس النفس بخالقها ربها فتتشرَّب منه تعالى صفات الكمال وليستأنس بهذا الإنسان المؤمن كلّ مخلوق لا يتمّ ولا يكون ما لم تخف النفس من فراق الدنيا الذي لا بدَّ منه، عندها تُعرض آنياً عن الشهوات الدنية وتصدق في طلب معرفة موجدها موجد الكائنات، عندها تحوِّل النفس شعاعها للفكر الذي سرعان ما يرسم لها مخطَّط الإيمان فالوصول لمبدع الكائنات خالق الجنَّات.
إن الوصول إلى هذه النقطة الهامة وهي معرفة الإنسان أن له خالقاً مربياً وإلۤهاً مالكاً مسيراً هي الخطوة الأولى في طريق الإيمان.. فإذا استطاع الإنسان أن يخطوها انفتح أمامه أفق جديد من البحث وهو السعي وراء معرفة من هو هذا الخالق المربِّي والمالك المسيِّر وذلك ما حكاه الله تعالى لنا في القرآن الكريم ضارباً المثل في هذا البحث بسيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فما أن هداه تفكيره إلى أن له خالقاً مربياً وإلۤهاً مسيِّراً حتى انطلق يبحث عن هذا المربِّي ويتساءل من هو صاحب العناية البالغة والإمداد المتواصل، فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربِّي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين، إذ ما يكون لهذه العناية الساهرة على تربيته أن تنقطع عنه أو تغيب. ولو أنها غابت عنه لحظة واحدة لانقطع عنه إمدادها ولسرى إليه العدم والفناء. أرأيت إلى ذبالة الشمعة إذا انقطع عنها إمداد الشمع ما يكون مصيرها؟. لا شك أن شعلتها تنطفئ لساعتها ولا يعود لنورها بقاء، وإذن فما عليه حتى يصل إلى معرفة خالقه ومربِّيه إلاَّ أن يستأنف البحث من جديد.. واستمرَّ صلى الله عليه وسلم في بحثه فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل، قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فما القمر الذي غاب عنه نوره بإلۤهه ومربِّيه. ثم واصل صلى الله عليه وسلم بحثه، ومن كان صادقاً في طلبه لا يني ولا يفتر. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون.
لقد شاهد صلى الله عليه وسلم أن هذه الأجرام السماوية ليست عليه دائمة الإشراف، إنها تغيب مختفية وراء الآفاق، إنها مرتبطة مع غيرها بنظام كامل شامل تدبِّر أموره وتشرف عليه يد واحدة.. إنما ربه هو الذي يمدُّ الشمس والكواكب والقمر والذي عمَّ إمداده السموات والأرض.. إن ربه هو خالق الكون كله وإلۤهه ومربِّيه، فما من حركة في الكون إلاَّ به وهو وحده المتصرِّف لا يشاركه في ذلك أحد سواه وذلك ما تعبر عنه كلمة (لا إلۤه إلا الله).. أدرك سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذلك كله وهنالك قال معبِّراً عما في نفسه: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ..}. وهدَّدوه فأجابهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} سورة الأنعام: الآية (79-82).
وهكذا فالإيمان سعيٌ كسبي لا يتوارثه الابن عن أبيه ولا يأخذه المرء عن البيئة أو المجتمع الذي ينشأ فيه، فلتكن بيئة الإنسان مهما كانت كافرة ملحدة، ولتكن أسرته مهما كانت جاهلة معرضة.. فخلْقه وتركيبه كافٍ لأن يوقظ تفكيره وينبِّهه، وهذا الكون وهذا النظام الذي يسير عليه مرتبطاً بعضه ببعض كافٍ لأن يعرِّفه بهذه اليد الحكيمة المدبِّرة والإرادة المسيِّرة، والذات الرحيمة التي شملت عنايتها وتدبيرها الكون كله.. فإذا توصَّل الإنسان إلى هذا الإيمان فعرف خالقه وإلۤهه ومربيه، وأدرك أنه تعالى هو المسيِّر لشؤون الكون كله فلا إلۤه إلا الله، وما من متصرِّف أو مسيِّر سواه، فهنالك تخشع نفسه لربِّها وتخشاه وتدخل في حصن حصين من الاستقامة فما تستطيع أن تخرج عن أمره تعالى في شيء، وبهذا تُقبل نفس هذا المؤمن على ربِّها واثقة من رضائه عنها فتصلِّي وتحصل لها الصلة وتشتق منه تعالى الكمال. ذلك هو الذي توصَّل إليه سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وما ضرَّه أنَّ أباه وقومه كانوا يعبدون الأصنام.
وذلك هو الذي بدأ به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طريقه لاسيما بغار حراء، وما زال يتدرَّج فيه ويعرج في الكمال من حال إلى حال، حتى بلغ سدرة المنتهى ووصل المقام الذي لم يدانِه فيه إنسان.. تلك هي الطريق الوحيدة للوصول إلى الكمال وما سوى ذلك مما يزعمونه من حادثة شق الصدر وإخراج حظ الشيطان إنما هي ترَّهات وأوهام.. فسبيل الإيمان واضحة جلية وطريق الكمال مفتوحة لكلِّ نفسٍ صادقة.. تلك هي الطريق التي سلكها سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين ومن تابعهم من المؤمنين، وقد أمر الله تعالى جميع عباده بسلوكها واقتفاء أثرها ليلحقوا بأولئك السابقين الأولين من الأنبياء والمرسلين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} سورة الأنعام: الآية (90).
قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: فكلمة (من يشاء) أي كل من شاء بصدق وسلوكية إيمانية، والإيمان بالملموس والمحسوس.. فدين الإسلام دين حقائق لا مجرَّد كلام. الإيمان الذي يُنتج شهوداً لنور الله نوراً غير منبعث عن المادة أو عن الأضواء الكونية نوراً أشد وأسمى من كافة الأنوار المادية، نوراً تشاهده النفس المؤمنة يقيناً فتشهده بعين البصيرة لا بعين الرأس وبه ترى جمال الله وعظمة الله وكمال الله وتتشرَّب الكمالاتِ الإنسانية فتأنس بالله ويأنس بها كل مخلوق.
وبسلوك طريق الإيمان العملي آتى تعالى المرسلين والنبيين ما آتاهم، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} سورة الأنعام: الآية (88-89).
والحمد لله ربِّ العالمين
من تطبيق ..حقيقة سيدنا محمد تظهر في القرن العشرين
ليس المقصود بالإيمان بالله تعالى الاعتراف بوجود الخالق ذلك الاعتراف القولي الذي يدور على ألسنة العامة من الناس لأن مجرَّد الاعتراف بوجود الخالق لا يُسمَّى إيماناً وهو لا يغرس في قلب صاحبه مكرمة أو يكسبه فضيلة أو ينتزع من نفسه خبثاً كما لا يدخله في الآخرة جنة أو يقِيهِ ناراً. وقد ضرب لنا تعالى على ذلك إبليس مثلاً وذكر لنا في القرآن الكريم اعترافات إبليس بوجود خالقه وإقراره له بالربوبية والعزة فقال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيكَ لَعْنَتِي إِلى يَومِ الدِّينِ، قَالَ رَبِّ فأنْظِرنِي إلَى يَومِ يُبْعَثُونِ، قَالَ فإِنَّكَ مِنَ المنْظَرينَ، إِلى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُومِ، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} سورة ص: الآية (75-83).
ففي الآية الأولى اعتراف منه لخالقه وفيما يليها إقرار بربوبيته ثم أقسم بعزّة الله ومع ذلك كله وصف تعالى إبليس بأنه من الكافرين وأنَّ عليه اللعنة إلى يوم الدين. وكذلك اليهود ما كان اعترافهم بخالقهم ليردَّهم عن طغيانهم قال تعالى: {وإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَينَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِياءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِنْ كُنتُم مُؤمِنينَ} سورة البقرة: الآية (91).
وإذاً فليس الإيمان بالخالق اعترافاً قولياً إِنَّما هو شعور داخلي ولَّده في النفس بحث ذاتي وتفكير متواصل فجعل صاحبه يسبح في جلال الله تعالى ويخر ساجداً لعظمته وهكذا فالإقرار النفسي المقرون بذلك الشعور والتذوق المنبعث من قرارة النفس هو الإيمان الصحيح وما سواه مما يتلقنه الإنسان من أبيه وأمه أو البيئة التي ينشأ فيها تلقُّناً ولا ينبعث في النفس متولِّداً عن نظر وتفكير ما هو بالإيمان المطلوب.. ولكن كيف يتولَّد هذا الإيمان الذي هو أساس طهارة النفس وتحليتها بالكمالات الإنسانية في نفس الإنسان وكيف يشعُّ في قلبه؟.
أقول: لقد خلق الله الإنسان وميَّزه كما ذكرنا من قبل على سائر المخلوقات بتلك الجوهرة التي يستطيع أن يتوصل بها للكشف عن الحقيقة وأعني بهذه الجوهرة التفكير. ثمَّ إِنَّ الله تعالى جعل هذا الكون وما فيه من آيات بينات ونظام بديع وحكمة بالغة بين يدي الإنسان كتاباً مفتوحاً يستطيع أي إنسان كان إذا نظر فيه مدققاً وتفكَّر مُتأمِّلاً أن يعظِّم هذا الكون تعظيماً يهتدي من ورائه إذا كان صادقاً في طلب الحقيقة إلى معرفة خالقه والإيمان به والخشوع له وهكذا فمعرفة المربي هي النبراس الذي يصل بالإنسان إلى مشاهدة الحقيقة وهي السبب الوحيد في الوصول إلى الخير والسعادة. وقد وهب الله النَّاس جميعاً الفكر تلك الأداة التي يستطيعون بواسطتها أن يصلوا إلى معرفة خالقهم ومربيهم، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة وبثَّ في هذا الكون مالا يحصى من الآيات التي تساعد الفكر على البحث والاستدلال، فمن استفاد من هذه الجوهرة الثمينة، وأشغل فكره وأعمله في معرفة خالقه ومربيه فقد ظفر بالسعادة وفاز، ومن أشغل هذا الفكر وأعمله في السعي وراء المكاسب الدنيوية، وتأمين الشهوات الدنية فقد خاب وخسر هذه الحياة: {قُلْ هَلْ نُنبِئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولئكَ الَّذينَ كَفَرُواْ بِآياتِ رِبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامةِ وَزْناً، ذَلِكَ جَزَاؤُهُم جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلي هُزُواً، إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ كَانَتْ لَهُم جَنَّاتُ الفِرْدَوسِ نُزُلاً، خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} سورة الكهف: الآية (103-108).
وينطوي تحت كلمة (الإيمان) نقاط إذا توصَّل إليها الإنسان كان إيمانه صحيحاً منجياً مولِّداً في نفسه الكمال، وأعني بتلك النقاط أن يتوصَّل الإنسان بفكره إلى أن له خالقاً خلقه وأوجده على هذا الكمال. وأن هذا الخالق هو المربِّي القائم على تربية الإنسان والمتكفِّل بكل احتياجاته ورزقه، وأن ينتهي به تفكيره أخيراً إلى أن خالقه ومربِّيه هو الإلۤه المسيِّر الذي بيده مقاليد الأمور كلها، وسير المخلوقات جميعها، فما من حركة في الكون إلاَّ وهي راجعة إليه وما من سير إلاَّ به. فإذا تحقَّقت هذه النقاط في نفس الإنسان كان إيمانه صحيحاً، أما الذين يعتقدون بوجود الخالق اعتقاداً لم يرافقه تحقُّق النفس من هذه النقاط التي ذكرناها فليس إيمانهم بالإيمان الصحيح ولا المنجِّي من الهلاك، ولا المكسِّب للفضائلِ والقيمِ الإنسانية التي تسمو بالإنسان إلى الكمال الإنساني لينهض بأخته بالإنسانية وأخيه إلى السعادة.
وقد أشار تعالى في القرآن الكريم إلى الطريق التي يستطيع أن يتوصَّل بها الإنسان إلى هذه النقاط التي يتم التفكير بها للوصول بالأصول: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} سورة الزمر: الآية (6).
فهذه الآية الكريمة إنما تعرِّفك بآن واحد بخالقك ومربِّيك ومالكك وإلۤهك "مسيِّرك" فإذا رجعت إلى نفسك لما كنت جنيناً في بطن أمك فلا بدَّ أنَّه ستتوارد عليك طائفة من الأسئلة فتقول: من الذي خلق هذه النطفة وأوجدها؟. ولا شك أن تفكيرك يعرِّفكَ بأنَّ خالقاً أخرجك من طيَّات العدمِ إلى الوجود وجعلكَ في هذا المستودع الأمين.. من الذي جعل يربِّي هذه النطفة وينميها حتى تطورت من علقة إلى مضغة إلى أن أصبحت إنساناً سوياً؟. إن هذا يعرِّفك بأن لك مربِّياً أمدَّك بالغذاء شيئاً فشيئاً وأحاطك برعايته حتى تموْتَ متدرِّجاً من حال إلى حال. وأخيراً تجد نفسك أمام الجواب على سؤال إذ تقول من الذي كان يقلبني من طور إلى طور، فمن نطفة إلى علقة ومن علقة إلى مضغة ومن مضغة إلى عظام إلى أن أصبحت مخلوقاً كاملاً وإنساناً سوياً. إن هذا التطور والتحوُّل لا بدَّ له من مقلِّب محوِّل، وهذا التسيير والتحويل لا بد له من مسيِّر ومحوِّل، وعندئذ تؤمن بأن الخلْق والتربية والتسيير كل ذلك أشرفت عليه عين ساهرة، ورعته ورعت الخلائق كلها معه عناية واحدة، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة التي قدمناها في قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.. هذا ولكن هذا النوع من التفكير الإنساني السامي الذي به تستأنس النفس بخالقها ربها فتتشرَّب منه تعالى صفات الكمال وليستأنس بهذا الإنسان المؤمن كلّ مخلوق لا يتمّ ولا يكون ما لم تخف النفس من فراق الدنيا الذي لا بدَّ منه، عندها تُعرض آنياً عن الشهوات الدنية وتصدق في طلب معرفة موجدها موجد الكائنات، عندها تحوِّل النفس شعاعها للفكر الذي سرعان ما يرسم لها مخطَّط الإيمان فالوصول لمبدع الكائنات خالق الجنَّات.
إن الوصول إلى هذه النقطة الهامة وهي معرفة الإنسان أن له خالقاً مربياً وإلۤهاً مالكاً مسيراً هي الخطوة الأولى في طريق الإيمان.. فإذا استطاع الإنسان أن يخطوها انفتح أمامه أفق جديد من البحث وهو السعي وراء معرفة من هو هذا الخالق المربِّي والمالك المسيِّر وذلك ما حكاه الله تعالى لنا في القرآن الكريم ضارباً المثل في هذا البحث بسيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فما أن هداه تفكيره إلى أن له خالقاً مربياً وإلۤهاً مسيِّراً حتى انطلق يبحث عن هذا المربِّي ويتساءل من هو صاحب العناية البالغة والإمداد المتواصل، فلما جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربِّي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين، إذ ما يكون لهذه العناية الساهرة على تربيته أن تنقطع عنه أو تغيب. ولو أنها غابت عنه لحظة واحدة لانقطع عنه إمدادها ولسرى إليه العدم والفناء. أرأيت إلى ذبالة الشمعة إذا انقطع عنها إمداد الشمع ما يكون مصيرها؟. لا شك أن شعلتها تنطفئ لساعتها ولا يعود لنورها بقاء، وإذن فما عليه حتى يصل إلى معرفة خالقه ومربِّيه إلاَّ أن يستأنف البحث من جديد.. واستمرَّ صلى الله عليه وسلم في بحثه فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل، قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فما القمر الذي غاب عنه نوره بإلۤهه ومربِّيه. ثم واصل صلى الله عليه وسلم بحثه، ومن كان صادقاً في طلبه لا يني ولا يفتر. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون.
لقد شاهد صلى الله عليه وسلم أن هذه الأجرام السماوية ليست عليه دائمة الإشراف، إنها تغيب مختفية وراء الآفاق، إنها مرتبطة مع غيرها بنظام كامل شامل تدبِّر أموره وتشرف عليه يد واحدة.. إنما ربه هو الذي يمدُّ الشمس والكواكب والقمر والذي عمَّ إمداده السموات والأرض.. إن ربه هو خالق الكون كله وإلۤهه ومربِّيه، فما من حركة في الكون إلاَّ به وهو وحده المتصرِّف لا يشاركه في ذلك أحد سواه وذلك ما تعبر عنه كلمة (لا إلۤه إلا الله).. أدرك سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم ذلك كله وهنالك قال معبِّراً عما في نفسه: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ..}. وهدَّدوه فأجابهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} سورة الأنعام: الآية (79-82).
وهكذا فالإيمان سعيٌ كسبي لا يتوارثه الابن عن أبيه ولا يأخذه المرء عن البيئة أو المجتمع الذي ينشأ فيه، فلتكن بيئة الإنسان مهما كانت كافرة ملحدة، ولتكن أسرته مهما كانت جاهلة معرضة.. فخلْقه وتركيبه كافٍ لأن يوقظ تفكيره وينبِّهه، وهذا الكون وهذا النظام الذي يسير عليه مرتبطاً بعضه ببعض كافٍ لأن يعرِّفه بهذه اليد الحكيمة المدبِّرة والإرادة المسيِّرة، والذات الرحيمة التي شملت عنايتها وتدبيرها الكون كله.. فإذا توصَّل الإنسان إلى هذا الإيمان فعرف خالقه وإلۤهه ومربيه، وأدرك أنه تعالى هو المسيِّر لشؤون الكون كله فلا إلۤه إلا الله، وما من متصرِّف أو مسيِّر سواه، فهنالك تخشع نفسه لربِّها وتخشاه وتدخل في حصن حصين من الاستقامة فما تستطيع أن تخرج عن أمره تعالى في شيء، وبهذا تُقبل نفس هذا المؤمن على ربِّها واثقة من رضائه عنها فتصلِّي وتحصل لها الصلة وتشتق منه تعالى الكمال. ذلك هو الذي توصَّل إليه سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وما ضرَّه أنَّ أباه وقومه كانوا يعبدون الأصنام.
وذلك هو الذي بدأ به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طريقه لاسيما بغار حراء، وما زال يتدرَّج فيه ويعرج في الكمال من حال إلى حال، حتى بلغ سدرة المنتهى ووصل المقام الذي لم يدانِه فيه إنسان.. تلك هي الطريق الوحيدة للوصول إلى الكمال وما سوى ذلك مما يزعمونه من حادثة شق الصدر وإخراج حظ الشيطان إنما هي ترَّهات وأوهام.. فسبيل الإيمان واضحة جلية وطريق الكمال مفتوحة لكلِّ نفسٍ صادقة.. تلك هي الطريق التي سلكها سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والمرسلين ومن تابعهم من المؤمنين، وقد أمر الله تعالى جميع عباده بسلوكها واقتفاء أثرها ليلحقوا بأولئك السابقين الأولين من الأنبياء والمرسلين: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} سورة الأنعام: الآية (90).
قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: فكلمة (من يشاء) أي كل من شاء بصدق وسلوكية إيمانية، والإيمان بالملموس والمحسوس.. فدين الإسلام دين حقائق لا مجرَّد كلام. الإيمان الذي يُنتج شهوداً لنور الله نوراً غير منبعث عن المادة أو عن الأضواء الكونية نوراً أشد وأسمى من كافة الأنوار المادية، نوراً تشاهده النفس المؤمنة يقيناً فتشهده بعين البصيرة لا بعين الرأس وبه ترى جمال الله وعظمة الله وكمال الله وتتشرَّب الكمالاتِ الإنسانية فتأنس بالله ويأنس بها كل مخلوق.
وبسلوك طريق الإيمان العملي آتى تعالى المرسلين والنبيين ما آتاهم، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} سورة الأنعام: الآية (88-89).
والحمد لله ربِّ العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق